زي ما هتدخل زي ما هتطلع ..
لو مش فاضي شوف حاجة افيد تقراها
------------------------------------------
Powered By Blogger

الجمعة، 12 أغسطس 2011

تكاتك ورجالة وكلام كتير كدة




مكبلا بالاكياس البلاستيكية .. لا اري موضع قدمي منها .. والمشوار طويل حتى بيتنا .. وفجأة ياتيك طوق النجاة يمشي ويتراقص امام عينيك .. صغير حجمه .. لكنه تم تعديله لكي يصدر صوتا يصم الاذان من تلك السماعات الـ"بيز" العالية .. لونه الاسود مع مقدمة صفراء .. عجلاته الثلاثة .. انه التكتك ، لم يعد يساوي الجنيه الواحد شيئا الان .. ولذلك لن يكن ثمة مشكلة مع اعطاء ذلك السائق المسكين صاحب التكتك هذا الجنيه .. فقد ولت ايام ما كان "الجنيه جبس" وقررت ان استغني عنه مقابل ان يخرجني من تلك الفوضى و أصل مرتاح البال الى البيت ومعي ايضا كل تلك الاكياس التي لم اعد اذكر ما فيها ، هي فقط مملوءة حتى انها تكاد ان تنفجر .. وتكاد يدي ان تنفصل عن مكانها .  

صاحب التكتك من ذلك النوع الذي يدعونه "شعبي" وهكذا عادة هم اصحاب تلك الالات الغريبة ذات الثلاث عجلات ، طبعا باستثناء ذلك السائق الذي ركبت معه ذات مرة فاخبرني انه كان يعمل في البنك بمرتب يفوق الـ5 الاف جنيه .. ولكن جاءه عرض مغري من تلك البلاد التي يدعوها "بلاد الحجاز" مما دعاه من تقديم استقالته والطيران الي هناك فورا وفي مخيلته انه سوف يعود بجوالين من الاموال بالاضافة الى قدر لا بأس به من الغسالات والثلاجات واجهزة الكومبيوتر المحمولة واطنان من تلك الموبايلات الحديثة التي تعمل بالـ"ططش" .. هذا عوضا على سيارة مرسيدس موديل 2011 .. !! على اعتقاد منه مثله كمثل سائر المصريين ان موديل "مرسيدس" هو افخم انواع السيارات على الاطلاق .. وقد لا يكون قد سمع عن تلك "الكاديلاك" التي قد يصل ثمنها الى اربعة اضعاف سيارة مرسيدس واحدة .. !!

ذهب ذلك المحاسب المصري الذي قدم استقالته آنفا ليجد انه قد القى بنفسه الى عالم من الذل والمهانة اقسى من تلك التي يفرضها عليه امن الدولة في بلده .. عادة امن الدولة لا يناديك بـ"يا مصري" معتبرا انها شتيمة في حقك .. لكنهم هناك في تلك البلاد يعتبرون ان اهانتك بهذا الكلمة اكثر ارضاء لهم عن سبك بالام او بالاب لربما .. حقا ما يقولون عليها  "اطهر ارض وانجس شعب" !! .. وهكذا عاد خلال شهور خالي الوفاض بدون اموال وقرر ان يعمل على تلك الالة ليجد قوت يومه ليس الا .. قد تصدقه او لا .. او قد يكون كمثله من المصريين الذين طار برجين من أدمغتهم .. ولكن في عصر "مبارك" قد تكون تلك القصة تافهة جدا اذا ما قورنت بالالاف من القصص المشابهة .. الحمد لله انه عصر قد ولى بدون رجعة .. او هكذا نأمل !!

نعود لسائقنا الحالي "الشعبي" هذا .. ليس صعبا التعرف عليهم ..تجد في لبسهم الذين يشترونه على الاعياد فقط محاولة لتقليد ملابس الـ"هاي كلاس" ولكن الفرق هو ان تلك الفئة يشترون ملابسهم من "سيتي ستارز" او "نايك" .. وليس من "التوحيد والنور" او "عم منتصر" الذي يتخذ الرصيف معرضا رائعا لمنتجاته مع تخفيض هائل في السعر لاصحاب الحتة ، شعره الذي لعب به "حلاق الرومانسية" واوصاه بعدها بذلك الكريم الذي يقدر ثمنه بـ"خمس جنيهات" ، لكنه استغلي سعره فاستبدله بالـصابون من تلقاء نفسه .. وهو ممتاز ايضا ويضع لمعة لا بأس بها على شعرك .. لكن عليك تحمل مصاريف الضرر الذي قد يلحق بفروة رأسك او ذلك البياض الذي قد يصيب شعرك مبكرا .. هو يعلم كل هذا لكن لا شئ منها يهمه على الاطلاق .

ما ان تحركنا قليلا حتى قابلنا المدعو "حمو" !! ومن ثم قليل من الاحضان، في الحقيقة كانت الاحضان والسلامات قليلة جدا لكنهم قضيا وقتا لا بأس به يتحدثان مع بعضهما البعض .. مع دوام امساك كل منهما بيد الاخر .. وفي النهاية شدد كل منها على كتف الاخر مع قوله " عايز فلوس انا معايا والله لو عايز قولي وانا عنيا ليك " " يا عم ربنا يخليك .. انتا اللي عايز فلوس .. انا عارف انتا داخل على موال كبير واكيد عايز حاجة .. لو عايز قولي ما تتكسفش .. احنا اخوات برده " "من غير ما تقول يا ابو عمو .. وانا هتكسف منك برده " .. انا واثق ان مجموع ما يملك الاثنان من المال بالاضافة الى "تحويشة العمر" الخاصة بكل منها قد لا تساوي مرتب شهر واحد فقط من أولائك المسؤولين الحكوميين .. هكذا هي مصر .. ثلاث طبقات .. طبقة عالية جدا .. طبقة معدمة جدا .. وطبقة معدمة ايضا لكن "عاملة عبيطة " ..

ركب مرة اخرى الى التكتك ولم يتحرك قليلا حتى توقف مرة اخري .. ماذا هذه المرة ؟؟ لا تعطل كثيرا تلك الالة .. وليس لانها يابانية الصنع بالطبع .. ولكن لانها تمشي وسط ذلك الكم الهائل من المطبات بدون ان تتساقط اجزائها وتتناثر على اطراف الطريق ..! لكن هذه المرة كان السبب "ابو نسمة" ما ان رآه السائق حتى قال له " اتفضل يا ابو نسمة اوصلك " .. اوصلك !! هل هذه عزومة مراكبية .. ام انه جاد فيما يقول .. !! لربما قد نسى ان زبونا ما معه وهو انا ! .. او انه قد هيئ له ان تلك الكنبة الخلفية هي مثل التي نراها في اعلان "شيفرولية افيو" وتتحمل "اورطة العيال" الذين خرجوا من السيارة ولا ادري كيف فعلوا !! رحت اتنحنح لعله يتذكرني .. فنظرية انه قد نساني هي اقرب من نظرية الـ"شيفرولية افيو" هذا الا اذا كان "ابو نسمة" سوف يتجه الى السائق بعد ان يوصله ويأخذه بالاحضان وهو يردد " أي اف يو .. أي أف يو " ! لكن صاحبنا هذا لم يكن يعزم عزومة مراكبية وكان جادا في كلامه ..!! هل صرت شفافا اذا .. ام انه يعتقد حقا في نظرية الافيو .. حسنا ليكن !! سيتحمل هو عواقب ما يقول .. لكن ذلك المقعد الصغير لي وحدي وهو بالكاد يكفيني انا واكياسي ! ها قد جاء ابو نسمة ومع ابنته نسمة .. ودخلا ليجلسا بجواري .. هم لا يمزحون اذا !

حسنا ماذا علي ان افعل الان .. ؟؟ قال السائق " معلش يا بيه .. لو مدايق بلاش " .. ذلك الاحراج الذي يوقعك فيه مضطرا ويكأنه يقول لك "هيركبوا معاك .. خلاص ؟" ابتسمت له وافسحت المكان و أخذت كومة الاكياس تلك ووضعتها على حجري .. بدا لي ذلك افضل من ان اضع "نسمة" او "والدها" على حجري فالمكان لن يتسع لثلاثتنا على اية حال .. !! كان كلامهما مسل حقا .. ومن الواضح ان "ابو نسمة" هو جار السائق .. كما بدا لي أنه يعز السائق كثيرا كما يعزه السائق ايضا .. وهذا يؤيد نظرية "الافيو" بالمناسبة ، تكلما كثيرا عن حال عائلة كل منهما ، وعن والدته التي اخذت المعاش من "البوسطة" وخالته التي تضرب ابنها كل يوم ف الشارع وكم يتسلى ابو نسمة حقا بالمشهد .. ليس بمشهد ضرب الابن بالطبع .. بل بمشهد خالته التي تهرول في الشارع حافية الرجلين .. لربما كان يهيم بها حبا يوما ما .. وهنا سأل "ابو نسمة" السؤال الذي لم اتوقعه .. "ها امتا فرحك يا ابو حميد .." "بعد العيد علينا وعليك بخير .. العيد الصغير دا " " الف الف مبرووك .. وهتسكن معانا ولا في شقة برة " " لا والله اشتريت شقة بحري كدة وهسكن فيها" !! من .. ماذا .. متى وكيف .. !! ابو حميد الذي لم توحي هيئته بأنه لم يتجاوز الـخامسة والعشرين من عمره سيتزوج .. وبعد العيد الصغير .. ويمتلك شقة ايضا !!

هذا غريب حقا .. اعلم الكثير من البيوت المفتوحة على التكاتك .. ولكن لم اعلم انه هناك بيوتا تفتح بسبها ايضا .. !! ذلك الشاب البسيط الـ"شعبي" كون نفسه بنفسه في عمر وجيز جدا .. اشترى شقة .. واكلمها بالكامل .. وها هو ذا يستعد ليتزوج بعد العيد .. ! قد تقول ان دربا من الهبل قد تسلط الى عقلي وانا اكتب هذا .. ولكن رايت فيه نموذج شابا مثاليا لسبب لا اعلمه الى الان .. هذا هو ما يدعونه "ابن بلد" و "راجل" .. فتعريف الرجولة عندهم ليس شرب البيريل كما نعتقد نحن .. !!

يعرف هذا وذاك .. ومستعد ان يقدم ماله لاحد اصحابه – "حمو" الذي ذكرناه قبل قليل .. تذكر انه هو من بدأ بعرض المساعدة اولا !!- ويعمل على تكتك ومع هذا ابتسامته لا تفارق وجهه .. خفيف الدم .. ومستعد ان يضحي باحد زبائنه مقابل ان يوصل "ابو نسمة" .. اذا فهو يعرف حق الجار جيدا .. لديه اسرة لا بأس بها .. ويهتم بمظهره العام مع المحافظة على طرازه الشعبي .. ومع خالة تهرول وراء ابنها في الشارع !! انه رجل مثالي حقا ..!! كيف اعتمد على نفسه والقى بالعديد من العقبات وراء ظهره .. حافظ على مبادئه .. مع اني اعتقدت وللوهلة الاولى انه من النوع الذي سوف يصم اذني بالاغنية الشعبية " اصحي وصحيني .. وتعالي واديني " ولربما ترك المقود ليلف يده حول الاخرى .. ويؤدي تلك الرقصة الشعبية المشهورة .. لكنني فوجئت برجل على قدر من المسؤولية التي تمكنه من امساك زمام بيت بالكامل خلال اسابيع .

ابو حميد وامثاله الذين يمثلون نسبة كبيرة جدا من الشعب المصري هي طبقة باكملها مهملة تماما .. كيف ننسى دورهم في الثورة ودورهم في اللجان الشعبية ودورهم كطبقة عاملة واسعة النطاق تخدم جميع انحاء مصر هذا عوضا على دورهم في الزيادة السكانية الرهيبة بالطبع .. !! لا بد انهم شكلوا اغلبية كاسحة من الاعداد التي خرجت في المظاهرات .. لكن كانت احلامهم يسيرة جدا .. لم يكونوا يرمون الى منصب برلماني او رئاسة او دستور .. هم فقط احسوا بالظلم وتذكروا كل الظروف التي اجبروا للعيش تحتها .. تلك الظروف التي طالتهم وطالت اقرب واحب الناس اليهم بالطبع .. فخرجوا يثورون عليها !! وهم ايضا يمثلون الاغلبية في عداد الشهداء .. ولكن للاسف لم ولن ينالوا قدر من الاهتمام الاعلامي لهم .. فلم توضع صورهم في صفحة "الورد اللي فتح في جنانين مصر" او لم تنتشر صورهم في جميع صفحات الفيس بوك .. طبقة باكلمها لو تم استغلالها وتوظيفها توظيفا صحيحا لربما راينا تغيرا جذريا في بلدنا !! اليس هذا افضل من ان يظل يعمل على تكتك معتقدا انها شيفرولية افيو ويوصل بها ابو نسمة ويعيش حياته يراقب خالته وهي تهرول في الشارع كل يوم تقريبا ..!!

ما علينا الا البحث على امثال ابو حميد .. واستخدامهم الاستخدام الامثل فحسب ، حسنا .. يكفي هذا الى الان .. فبعد كلمات " توظيف وجذري واستغلال" اظنني بدأت اعيش دور صحفي في جريدة الاهرام .. لا ادري لما كل هذا الذي كتبته .. الم يكن من الافضل ان اخرج سعيدا بوصولي للبيت ومعي كل تلك الاكياس سليما .... بصراحة زهقت وانا بكتب المقالة دي .. طويلة اوي وفيها رغي كتير وبتاع وكلام من دا .. كفاية على كدة .. اشوفكم المرة الجاية ان شاء الله :) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق