زي ما هتدخل زي ما هتطلع ..
لو مش فاضي شوف حاجة افيد تقراها
------------------------------------------
Powered By Blogger

الاثنين، 28 يوليو 2014

عندما رأيتها ..

لا ادري لماذا تصر أمي على هذا المبدأ .. وتستمر في زيارات ما يسمى بالـ "معارض" والتي كان من المفترض انها موسمية لكنها وللاسف تبقى مفتوحة طوال السنة ولا تُغلق ابوابها نهائيا .. لماذا ؟! لا ادري .. كل معلوماتي عنها انها تضم المئات من المنتجات الرخيصة وسريعة الاستهلاك .. وكونها تبيع ما هو رخيص لهو سبب كافي لتفسير ازدحامها على مدار العام .

ذهبت امي هناك لتشتري حاجيات تخص اختي الصغيرة (ادعولها بالشفاء والستر) حيث يبدأ الامر بنية شراء شئ واحد غالبا .. ومن ثم يتفرع لتأخذ جولة في كل المكان (بالمرة وخلاص يا مصطفى) .. هل تدري ما هو الاسوء من مشاهدة حلقة لأية مصطفى او جو تيوب ؟؟ قطعا هو ان تخرج من انثى للسوق .. ايا كانت هذه الانثى !!

بينما سرحت أمي في ملكوت ذلك العالم المتشابه المشتبه .. الصاخب والمتفجر بكل انواع الالوان في مشهد مؤذي للعين !! ظللت انا امارس هوايتي في تصفح النت (الفيس بوك يعني) في ملل منقطع النظير .. فوسط تلك الضجة المنبثقة من سماعتي دي جي تتحف اذناي واذن جميع زوار هذا المكان الكئيب باغاني شعبية وضيعة لا تكاد تميز منها حرفا واحدا .. فيما شبهه الرائع "جوني" في مسلسل الكبير (هو انت لية مشغل اربع اغاني في بعض .. انت مستعجل ولا حاجة ؟) ووسط تلك الاغاني الاربع تنتفي أمامك جميع الخيارات الممكنة التي تستطيع ان تجعل من هذا الوقت الضائع قسرا وقتا مفيدا .. أي ان قراءة للقران او أي كتاب اخر هو شئ مستحيل .

اخذت نظرة سريعة للمكان من حولي .. ركن خاص بـ" مينا وهاني" تقريبا على حسب ما اذكر .. يضع العديد من اللافتات كل منها على طاولة منفصلة "كل حاجة 2.5" "القطعة 7.5" .. والعديد من الاسعار الزهيدة .. كانت امي هناك تبحث عن شئ ما .. لا ادري ما هو .. وحقيقة لا يهمني ان اعرف ما هو .. كما انني لا أدري لما كل هذا الزحام على اشياء لا تفيد اصلا وحتى لو بعيت بالمجان !!

ومن لافتة لاخرى .. اتفحص الاسعار ويحاول معها عقلي جاهدا تفسير الظاهرة التي اراها امامي .. حتى نبهني انني قضيت ما يزيد على الخمس دقائق لما اتصفح فيها الفيس بوك .. حسنا فكرة جيدة .. لننظر ما الجديد اذن .. نعم .. لا شئ كالعادة .. حسنا .. ملل .. ملل .. ملل .. و.. فجأة ظهرت !!

في ركن ليس ببعيد في منطقة خاصة بالعباءات النسائية على ما يبدو .. جلست وراء مكتب متواضع .. تمسك بيدها اليمنى ابرة خيط صغيرة .. وبالاخرى عباءة متواضعة تخيطها .. جذبت انتباهي فجأة وكأنها ظهرت من العدم .. تحاول جاهدة بيديها الصغيرتين ان تنجز ما يبدو انها مكلفة به هنا .. في مكان عملها !!

متجاهلة تماما ما يحدث من حولها .. من حسابات ونقود تخرج وتدخل الى درج المكتب الصغير الذي تستند اليه .. فهي تبدو قد وضعت كل تركيزها في انجاز ما يَشغل يديها .. تلك اليدين التي تبدو انها تنتمي لطفلة لم تتعد على اغلب الظن الاحدى عشر عاما .. لما يتسنى لي تأكيد عمرها .. ولكن حالما لمحت وجهها الملائكي حتى تأكدت انها .. طفلة .. ولا تتعدى فعلا الاحدى عشر عاما او اكبر بقليل .

وجها ملائكيا صافيا .. ظننت منه وللوهلة الاولى انها سورية وليست مصرية .. شئ نفاه قطعا لهجتها حينما تحدثت الى احدهم على استحياء .. فلهجتها تطابق لهجة اهل البلد .. تماما .. بينما يتزين وجهها المشرق بحجاب اسود رقيق .. ترتديه على عباءة سوداء قصيرة .. تناسب طولها .. في هيئة قد تحكي لك العديد والعديد من جوانب حياتها .

طفلة على على هذا القدر من الحياء والجمال والادب .. تجلس في مكان كهذا .. يظن الظان في بادئ الامر انها اخت او بنت مالك هذا المعرض كله .. لولا ان جملة "مينا وهاني" في كل مكان هنا واوامرهم لها .. تنفي هذا قطعا .. فهي تعمل هنا فعلا .. طفلة بهذا السن وتعمل .. يا ترى ما الذي اضطرها للعمل ؟! ويا ترى هل للون الاسود في ملبسها دلالة على انها يتيمة ؟! ربما .. هل كانت من عائلة كريمة ولكن ظروفا اقتصادية ضربت العائلة اضطرتها لتعمل هنا ؟! وكيف تحافظ طفلة بهذه البراءة والجمال على نفسها واخلاقها وسط هذا الجو الصاخب الكئيب والمريب ايضا ؟!

 لن تجد قصصهم تلك في كتب التنمية البشرية .. ولن تسجل اسمائهم على الويكي بيديا .. لكنهم تمكنوا من تحقيق ما اقصى ما قد يصلوا اليه .. جاهدوا وتحركوا .. "الم تكن ارض الله واسعة .. فتهاجروا فيها" ؟!

ظل اعصار من الاسئلة يدور برأسي حولها .. لا ادري لماذا هي بالذات علقت بذهني .. لربما براءتها هي السبب .. ربما .. ولكنني بعد مدة من الامر تذكرت العديد والعديد من القصص المبهرة عن كفاح كهذا او اشد .. ذلك الشاب البالغ من العمر ما بين الـ27 والـ28 عاما .. خريج المدرسة الصناعية ويدرس حاليا في كلية الهندسة باحدى جامعات القاهرة .. يعمل بمطعم في نصف اليوم الاخر .. واذكر جيدا كيف بدأ الحديث بيننا في اوتوبيس "سوهاج اسكندرية" بينما كنت اقرأ "معالم الى خوست" ويقرأ هو "قواعد العشق الاربعون" .. ودار بيننا حديث لا انساه بينما كان يداعب ابنه .. نعم .. فهو متزوج ورزقه الله بابن رائع .. بارك الله له فيه .

واخر قرأت عنه من صديق لي .. خريج كلية الاداب قسم الفرنساوي .. يعمل "اوفيس بوي" بالنهار باحدى شركات الادارة المالية ويعمل ليلا مدرس لغة فرنسية ليعف نفسه ويتزوج .. ليس هذا فحسب .. قصة اخرى وردت الى بالي عن احدهم كان فاشلا وطرده والده من البيت واستقر بالقاهرة واضطر ان يبيع اغلب ما يملك حتى حاسوبه الشخص "اللاب توب" واقترض بعض المال من اصحابه وهو يجاهد لينال "كورس في السفارة الروسية" تمكن بعده من الحصول على وظيفه يتقاضى منها راتبا مجزيا .. هو الان افضل حالا بكثير عن ذي قبل ويتقدم بمجاله .. ولماذا نذهب بعيدا .. فكليتي بل ودفعتي تمتلي بالعديد من قصص الكفاح .. واعنى اعني حرفيا كلمة "كفاح" !! فالله وحده يعلم ظروفهم .. ولن اذكر امثلة منهم هنا لحساسية ذلك .

العديد من القصص كهذه الفتاة والمهندس الرائع وغيرها الكثر.. ابطالها لم يحققوا انجازا خرافيا او تمكنوا من انشاء شركات ضخمة او جني العديد من الاموال واصبحوا اثرياء في عدة سنوات .. لا .. لكنهم سارعوا .. وتحركوا .. وسعوا .. ولم يتواكلوا او يتكاسلوا .. لن تجد قصصهم تلك في كتب التنمية البشرية .. ولن تسجل اسمائهم على الويكي بيديا .. لكنهم تمكنوا من تحقيق ما اقصى ما قد يصلوا اليه .. جاهدوا وتحركوا .. "الم تكن ارض الله واسعة .. فتهاجروا فيها" ؟!

اكتب هذه الكلمات ليس لاستخلاص فائدة معينة .. ولا لاستجلاب عبرة بعينها .. ولكن لاذكر نفسي دائما وابدا .. متى تكاسلت او تواكلت .. او فقدت الامل او "اثّاقلت الى الارض" .. ان هناك من يحفر في الصخر حفرا .. ليصل .. فماذا فعلت انا ؟!


يقول الله عز وجل "لا يكلف الله نفسا الا وسعها" .. الاية ليست لتخفف عنك عندما تصيب اهدافا اقل مما تمنيت .. فحسب .. الاية تهدي لك في نفسك سؤالا رائعا وهاما  .. هل ما تفعله الان هو كل ما بوسعك ؟! دع الاجابة بينك وبين نفسك .. يا مصطفى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق